• التفسير التربوي لســـورة النساء

    التفسير التربوي لســـورة النساء

            سورة النساء تكمل الجانب التشريعي لهذه الأمة في جانب الأسرة والمجتمع. وهي إلى جوار ذلك تتوسع وتعمق مصادر التشريع في الإسلام، بل نستطيع أن نقول إن ما ورد فيها في هذا الباب لم يرد مجتمعا في سورة أخرى من هذا القرآن العظيم.

           
    الجانب التشريعي للأسرة:

           
    احتوت سورة النساء على أحكام كثيرة في هذا الشأن فاشتملت على الآتي:

            1-
    اليتامى ورعايتهم وحسن معاملتهم:

           
    والحفاظ على أموالهم, وأن القّيم على أموالهم ينبغي أن يستعفَّ من أخذ أجر على ذلك إن كان غنيًا،وفي حالة كونه فقيرًا فله أن يأكل بالمعروف, والحفاظ على يتامى النساء بخاصة. وهو في هذا يكشف خبايا النفوس الضعيفة التي قد تقوم بالاستيلاء على بعض أموال اليتامى ويذكرهم موقظا الحس عندهم بما قد يعرض لأولادهم من اليتم فإن الموت يأتي بغتة ومحذرًا مرة أخرى من الحساب يوم القيامة: ]وَآتُوا اليَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا[ (النساء2)، ]وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ[ (6)، ] وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [(9-10).

           
    هذا ما ورد في السورة عن اليتامى. ومن العجب أن القرآن المكي اهتم باليتامى ]كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ[ (الفجر17)، ] وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ ` فَكُّ رَقَبَةٍ ` أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ` يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ[ (البلد 12-15)، ]فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ[ (الضحى 9)، ويصل الأمر إلى قوله تعالى: ]أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ` فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ[ (الماعون1-2).

           
    وأمر اليتيم هام لأنه فئة من المجتمع التي أمر الله بحمايتها وصيانتها حتى لا تخرج فئة منحرفة ولا معقدة وحتى لا ينتشر الحسد والبغضاء في المجتمع. ماذا حين يقف الصغير أمام باب بيته وقد مات والده وهو ينظر إليك وأنت عائد إلى منزلك وأولادك فرحين بعودتك، ماذا يدور بفكره وعقله؟ وماذا لو مسحت على رأسه وضممته إلى صدرك ثم دخلت به إلى منزلك؟! قال r: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة » وجمع بين إصبعيه. ما أعلى هذه الدرجة! وما أبسط هذا العمل! ولكن أين القلوب؟ إن كل فرد من واجبه في أسرته أو حيه أو مجتمعه أن يقيم العلاقة الطيبة مع اليتامى وعلى النساء بخاصة يقع العبء, وذلك لأنها الأقدر على الدخول على الأرملة ومساعدتها في تعرف مشاكل اليتيم داخل البيت. إن هذا الدور دور ديني قبل أن يكون اجتماعيًا وأخلاقيًا وقبل أن يكون اقتصاديًا ونفسيًا وقبل أن يكون ماديًا ]فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ[ (الضحى 9) إنني أعجب من المجتمع الذي يقيم حفلات الغناء التي لا يفهم لها دور إيجابي أو إنتاجي في المجتمع, وعلى مظاهر زائفة. كيف يضيق بالإنفاق على اليتيم وإذا أنفق فشيء لا يسمن ولا يغني من جوع!

            2-
    المواريث:

           
    ومع أن المواريث من أقسام المعاملات في الفقه الإسلامي، وشأن القرآن بخاصة في أمر المعاملات الإتيان بالمجمل من الأحكام دون تفصيل، فإنه خالف العموم في أمر المواريث فأوردها تفصيليًا في أصولها وفروعها، وما ترك للسنة أن تبين فيها إلا مسائل قليلة.

           
    ومع ذلك عجبًا لأمر الإنسان, فأنت ترى الرجل لا يرضي أن يورث النساء أو يهضم حق الصغير. وعجبًا لرجل لم يرزق إلا الإناث يسعى ليكتب لهن ما يملك ليحرم إخوته من الميراث, وعجبا لمن يكتب لأحد الأبناء دون البقية، ونقول لهم: ألم يعجبكم تشريع الله الذي أورد في كتابه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ ]لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا[(7)، إذن الأمر فرض في القليل والكثير وتعقب الآيات بعد ذلك ] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ ` وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[ (14,13).

            3-
    معاملة النساء (الزوجات):

           
    ومما تقابل في هذا الخصوص التعبير القرآني: ] وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا[ (21)، ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفًِ[ (19)، إن الأسرة المسلمة لا تقوم إلا على الإحساس بأن عقد الزواج ليس ميثاقًا لبيع شيء أو شراء, إنما هو ميثاق غليظ على المسلم أن يتحرى القيام به وفق النص الآخر ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفًِ[ ولا تجعلوا لوساوس الشيطان سبيلا ]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرا[(19) وإذا حدث تنافر فإن القرآن قد وضح طريقة تقويم المعوج من النساء دونما تجاوز حد من جانب الرجل، فقال ]فعظوهن[, ونلحظ أنه وعظ وليس شتمًا, )واهجروهن في المضاجع( ونلحظ أنه محدود بالمضاجع وليس مخاصمة كاملة أو بعدًا كاملاً عن المنزل, )واضربوهن( دون إيذاء مع البعد عن الوجه وما يهين، فإذا تحققت الطاعة فحسبك لا تتمادي ولا تذلها. أما إذا لم يحدث ذلك ]فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [ (35).

           
    ومن أراد أن يعرف كيف يعامل النساء فعليه بسيرة رسول الله r: « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ولا يكرمهن إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم. «إن المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها خيرت من أي أبواب الجنة شاءت أن تدخل». وفي حديث وافدة النساء التي سألت عما شرع للرجل من جهاد وما يملكون من مال ينفقون منه قال لها r: « إن حسن تبعل المرأة لزوجها بعدل هذا كله ».

            4-
    المحرمات من النساء:

    ومن العجيب أن الناس في الريف بخاصة تساهلوا في أمر المحرمات من الرضاع لأن الرجال لا يعلمون النساء ولا يرسلوهن إلى المساجد ولذلك فهي ترضع أبناء الجيران والأقارب ولا تفكر ولا تحفظ، وترتكب المحرمات.

            5-
    تعدد الزوجات:

           
    وتثير سورة النساء وحدها مسألة تعدد الزوجات, وفي البداية نشير إلى أن الإسلام لم يفرض الزواج أصلاً حتى يفرض التعدد فيه، حيث إن الزواج بواحدة فقط أو أكثر حكم شرعي تدور عليه الأحكام التكليفية الخمسة, فمرة يكون واجبًا وذلك عند خوف العنت مع امتلاك القدرتين, وفي أخرى يكون مندوبًا, ويكون مكروهًا عند فقدان القدرتين أو إحداهما، ويكون محرمًا إذا كان لمجرد التذوق, وما ليس من هذا كله يكون مباحًا. والإسلام يطلب العدل ]َفإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[(3) ولكن ليس المطلوب العدل المطلق الخارج عن قدرة الإنسان ]وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا[ (129).

           
    إن عدد النساء أكثر من الرجال، هكذا في تاريخ البشرية، فمن لهذه الزيادة؟ ولو كل واحدة فكرت في نفسها فما الحل؟ من حقها أن تتمني أن لا يشاركها أحد في زوجها, ومن حقها أن تبدي الحزن إذا فكر في ذلك, ومن حقها أن تعاتبه إذا أكثر المزاح في هذا الأمر، ولكن من الواجب عليها إذا أصبح الأمر واقعًا أن ترضي بقضاء الله، ولا تعكر صفو الحياة حتى تسير أمور البيت «احرص على ما ينفعك. فإن أصابك شيء فلا تقل لو كان كذا كان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل»

    الإسلامالقرآن والتفسير

    IslamQT.Com

    ==============

    الكاتب: الشيخ // عبد الخالق حسن الشريف


    بازگشت به ابتدا

    بازگشت به نتايج قبل

     

    چاپ مقاله

     
    » بازدید امروز: 210
    » بازدید دیروز: 385
    » افراد آنلاین: 2
    » بازدید کل: 2390