تعريف: التفسير والتأويل
تمهيد : قال الأصبهاني : أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن ؛ بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة ، فإنها أشرف من الدباغة ، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة ، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة 0 وإما بشرف غرضها ، مثل صناعة الطب ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة ؛ لأن غرض الطب إفادة الصحة ، وغرض الكناسة تنظيف المستراح0 وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه ؛ فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب ، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه ، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين ، بخلاف الطب ، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات 0 إذا عرف ذلك ، فصناعة التفسير قد حازت الشرف من ا لجهات الثلاث ؛ أما من جهة الموضوع ، فلأن موضوعه كلام الله تعالي الذي هو ينبوع كل حكمة ، ومعدن كل فضيلة ، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلف على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه 0 وأما من جهة الغرض ، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقي والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفني 0 وأما من جهة شدة الحاجة ، فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي ، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية ؛ وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالي (1)
معنى التفسير لغة واصطلاحاً
التفسير في اللغة : تفعيل من الفسر بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول ، وفعله : كضرب ونصر ، يقال : فسر الشئ يفسر بالكسر ويفسره بالضم فسرا ، وفسره : أبانه ، والتفسير والفسر : الإبانة وكشف المغطى ، وفي لسان العرب : الفسر كشف المغطي 0 والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل 0 وفي القرآن ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا (33 ـ الفرقان) أى بيانا وتفصيلا 0 وقال ابن عباس في قوله تعال : ( وأحسن تفسيرا) أى تفصيلا0 وقال بعضهم : هو مقلوب من " سفر" ومعناه أيضا : الكشف ، يقال : سفرت المرأة سفورا : إذا ألقت خمارها عن وجهها ، وهي سافرة ، وأسفر الصبح : أضاء ، وإنما بنوه على التفعيل، لأنه للتكثير ، كقوله تعالي : ( يذبحون أبناءكم ) [ 49ـ البقرة ]وقوله : ( وغلقت الأبواب ) [23ـ يوسف ] فكأنه يتبع سورة بعد سورة ، وآية بعد آية 0 وقال الراغب : الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما ، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار ، فقيل سفرت المرأة عن وجهها ، وأسفر الصبح(2) والتفسير في الاصطلاح : ـ عرفه أبو حيان بأنه : " علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك0 ثم خرج التعريف فقال : فقولنا : علم ، هو جنس يشمل سائر العلوم ، وقولنا : يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، هذا هو علم القراءات ، وقولنا ! ومدلولاتها ، أى مدلولات تلك الألفاظ ، وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم ، وقولنا : وأحكامنا الإفرادية والتركيبية، هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب ، وعلم البيان ، وعلم البديع ، وقولنا : ومعانيها التي تحمل علها حالة التركيب ، يشمل ما دلالته عليه بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإن التركيب قد يقتض بظاهره شيئا ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على غير الظاهر، وهو المجاز ، وقولنا : وتتمات لذلك 0 هو معرفة النسخ وسبب النزول ، وقصة توضيح بعض ما أنبهم في القرآن ونحو ذلك 0 وقال الزركشي : التفسير : علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ، وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه (3)
التأويل : لغة واصطلاحاً
والتأويل في اللغة : مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع إلى الأصل ، يقال : آل إليه أولا ومآلا : رجع 00 ويقال : أول الكلام تأويلا وتأوله : دبره وقدره وفسره0 وعلى هذا : فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان : 1ـ تأويل تأويل الكلام : بمعنى ما أوله إليه المتكلم أو ما يؤول إليه الكلام ويرجع ، والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود0 وهو نوعان : انشاء وإخبار ، ومن الإنشاء الأمر 0 فتأويل الأمر : هو الفعل المأمور به ، ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت(4): " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم وبحمدك اللهم أغفر لي ، يتأول القرآن 0 تعني قوله تعالي( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) [2 ـ النصر ]0 وتأويل الإخبار : هو عين المخبر به إذا وقع 0 كقوله تعالي : ( ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وهدي ورحمة لقوم يؤمنون ، هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ) [ 52،53 ـ الأعراف ] فقد أخبر أنه فصل الكتاب ، وأنهم لا ينتظرون إلا تأويله ، أى مجيئ ما أخبر القرآن بوقوعه ، من القيامة وأشراطها ، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وغير ذلك 0 فحينئذ يقولون : ( قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ) ؟ 2ـ تأويل الكلام : أى تفسيره وبيان معناه0 وهو ما يعنيه ابن جرر الطبري في تفسيره بقوله : " القول في تأويل قوله تعالي كذا وكذا " وبقوله : " اختلف أهل التأويل في هذه الآية " فإن مراده التفسير0 والتأويل في عرف المتأخرين : هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به ـ وهذا الاصطلاح لا يتفق مع ما يراد بلفظ التأويل ي القرآن عند السلف0 هذا ومن العلماء من يفرق بين المعنى ، والتفسير ، والتأويل ، للتفاوت بينها لغة وإن كانت متقاربة ، قال ابن فارس : معاني العبارات التي يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة : المعنى ، والتفسي ، والتأويل ، وهي وإن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة : فأما المعنى : فهو القصد والمراد ، يقال : عنيت بهذا الكلام كذا ، أى قصدت وعمدت ، وهو مشتق من الإظهار ، يقال : عنت القربة ، إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته ، ومن هذا عنوان الكتاب0 وأما التفسير في اللغة : فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف 0 وقال ابن الأنباري : قول العرب : فسرت الدابة وفسرتها ، إذا ركضتها محصورة لنطلق حصرها ، وهو يؤول إلى الكشف أيضا0 فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه ، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به 0 وأما التأويل : فأصله في اللغة من الأول ، ومعنى قولهم : ما تأويل هذا الكلام ؟ أى إلام تؤول العاقبة في المراد به ؟ كقوله تعالي ( يوم يأتي تأويله ) [ 53ـ الأعراف ] أى تكشف عاقبته ، ويقال : آل الأمر إلى كذا ، أى صار إليه ، وقال تعالي : (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) [ 82 ـ الكهف ] وأصله من المآل ، وهو العاقبة والمصير ، وقد أولته فآل ـ أى صرفته فانصرف فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله من المعاني 0 وإنما بنوه على التفعيل للتكثير (5) الإسلام – القرآن والتفسير
IslamQT.Com
==============
المصادر والحواشي: 1- السيوطي - الإتقان في علوم القرآن، 4/173. 2- مناع القطان - مباحث في علوم القرآن، ص 323 ، 324. 3- السيوطي - نفس المصدر، 4/169. 4- رواه : البخاري ومسلم. 5- مناع القطان - نفس المصدر، ص 325 ، 326.
|