حديث القرآن عن القرآن (18)
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران:164]
والحديث عن القرآن في هذه الآية يأتي في سياق منَّةِ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم .
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ﴾ يعني أحسن إليهم وتفضل عليهم . والمنّة النعمة العظيمة ولا تكون في الحقيقة إلا لله ـ عز وجل ـ . وخص المؤمنين بهذه النعمة مع أن بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلمـ رحمةٌ للعالمين ؛ لبيان أنهم المنتفعون برسالته المقتدون بهدايته .
ورسالته رحمة للعالمين لا تخصُّ جنسا دون جنس ولا قبيلا دون قبيل ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف:158]
فمن اتبع هدى الله الذي جاء به اهتدى ونجا ، ومن أعرض خَسِر وهلك .
والمنة على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم ، هدايتهم للحق الذي جاء به ، وإيمانهم بما نزّل عليه ، وفوزهم بالعاقبة التي لا تكون إلا لمن اتبع وآمن . ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد :2] . وفي قوله ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ أضاف الآيات إلى ضمير الجلالة ، وفي إضافتها تشريف أيُّ تشريف ودعوة إلى حسن تدبرها والاستمساك بها ؛ لأنها آيات الله ـ عز وجل ـ .
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مأمور بتلاوتها وتبليغها كما أمره الله ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿91﴾ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴾ [النمل : 91 ـ 92]
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ معناه : يطهرهم من دنس الكفر والمعاصي ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ والكتاب : القرآن . والحكمة : السنّة المتعلمة من لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ذاك معناها حين تقترن بالكتاب . وقال مجاهد ومالك : « إن الحكمة معرفةُ الحق والعملُ به والإصابةُ في القول والعمل . وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان ».
تلك منة الله على المؤمنين في إرسال الرسول وإنزال الكتاب وهى منة تستوجب الشكر وتدعو إلى تقدير النعمة واتباع ما جاء من الحق . نعمة أيُّ نعمة في كتاب وسنّة ، يُعْصَم من تمسك بهما من الزيغ والضلال وينجو من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : 153].
الإسلام – القرآن والتفسير
IslamQT.Com
=============
فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
|