• الزجاج ومنهجه في كتابه "معاني القرآن وإعرابه"

    الزجاج ومنهجه في كتابه "معاني القرآن وإعرابه"

    التعريف بالزجاج[1]

    هو إبراهيم بن السريّ بن سهل أبو إسحاق النحويّ الزجاج، غلب عليه اسم الزجاج لانه كان أول حياته يحترف خراطة الزجاج، فهو لقب مهنته،مصنف كتاب (معاني القرآن) ، وله: كتاب (الإنسان وأعضائه) ، وكتاب (الفرس) ، وكتاب (العروض) ، وكتاب (الاشتقاق) ، وكتاب (النوادر) ، وكتاب (فعلت وأفعلت) .

    تلمذ الزجاج لشيوخ بارزين ، اخذ عنهم علوم العربية من نحو ، ولغة ، وقراءات ، وحديث ، وفقه ، وتفسير ، وكان أبرزهم شيخ النحويين الكوفيين أبوالعباس بن يحيى الملقب ب (ثعلب)، وشيخ النحويين البصريين المبرد (ت285هـ)، وأما تلاميذهم فهم كثر، منهم: ابن السراج، وأبو علي الفارسي، والحسن بن بشر الآمدي، وغيرهم.

    مات: سنة إحدى عشرة وثلاث مائة.

    التعريف بكتاب (معاني القرآن) وطريقة مؤلفه فيه [2]

    قد يكون هذا الكتاب أهم آثار الزجاج، والاسم الكامل لهذا الكتاب هو "معاني القرآن وإعرابه" مما يؤذن أن إعراب القرآن قسم للمعنى في عمله، وفي المقدمة قال: هذا كتاب إعراب القرآن ومعانيه، فقدم الإعراب على المعنى، ونجده يؤكد ذلك مرة أخرى إذ يقول: وإنما نذكر مع الإعراب المعنى والتفسير، لأن كتاب اللَّه ينبغي أن يتبين ألا ترى أن اللَّه يقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فحُضِضْنَا على التدبر والنظر، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة، أو ما يوافق نقلة أهل العلم"[3] فالإعراب إذن مقصد أساسي للزجاج والمعنى ينبني عليه، وما لم يتوقف على إعراب ينقل ما قال المفسرون فيه، فيقول مثلا: والذي في التفسير، أو وقال المفسرون، فيكون عمله هو الرواية لا غير، ويختم عبارته بقوله: والله أعلم.

    استغرق الزجاج في تأليف هذا الكتاب نحو ستة عشر عاماً، بدأ يميله سنة 285هـ وانتهى منه 301هـ، لم تُذكر راوية للكتاب ولا سبب لتأليفه، ولعله فعل ذلك قربى إلى الله تعالى، أو إجابة لرغبة بعض تلاميذه.

    ومنهج الزجاج في تفسيره:أن يبدأ عقِب ذكر الآية القرآنية، باختيار ألفاظ منها ليحللها على طريقته هو في الاشتقاق اللغوي، فيذكر أصل الكلمة والمعنى اللغوي الذي تدل عليه، ثم يورد الكلمات التي تشاركها في حروفها أو بعضها ليردها جمعيا إلى اصل واحد، ويستشهد على رأيه بما يؤيده من كلام العرب شعراً أو غير شعر، وقد يستطرد فيشرح الامثلة التي يستشهد بها ثم يعود لإعراب الآية إن كان فيها ما يحتاج إلى إعراب، وفي هذا المقام يناقش النحويين الآخرين فيرد رأيهم أو ربّما يؤّده، وفي هذا الصدد يورد قراءات اللغويين، وهي غالبا قراءات شاذة مما وراء العشرة، كما يورد القراءات المشهورة ليبين المعنى على هذه القراءات فيقبله أو يرده، وقد يقف عند حرف من حروف اللغة مثل (لن) أو (بل) أو (لا) ... فيشرحه شرحاً نحوياً حتى يستوفيه ثم يقول: فهذا جميع ما قال النحويون في هذا.[4]

    ومن منهجه أنه لا يلتفت كثيراً إلى ذكر أسباب نزول الآيات، ولكنه لا يغفله عندما يدعو الأمر إلى ذلك، كما يستعين أيضا بالأحاديث ووقائع التاريخ، ولكن هذه كلها مكملات ثانوية بجانب المقصد الأهم وهو الشرح اللغوي، ويعنى الزجاج بتفسير القرآن بالقرآن، فيستشهد على المعنى الذي يشرحه في آية بما يذكر في آية أخرى قد تكون أصرح وأبين مما تدل عليه الآية التي يشرحها، وهو في هذا الصدد قوي بارع واستشهاداته قوية في دلالتها على ما يريد.

    ألف أبوعلي الفارسي –تلميذ الزجاج- كتابا في نقد معاني القرآن سماه "الإغفال".، ولكن نقده لا يرجع إلى نقد التفسير، وإنما يرجع إلى معارضة في علل نحوية.

    اهتمامه باللغة [5]

    اهتم الزجاج في كتابه معاني القرآن باللغة بطرق مختلفة، وإليك بعض النماذج التى توضح لك الطريقة التى جرى عليها المصنِّف فى تفسيره:

    أولا: أن يذكر الكلمة ومعناها فقط:

    فمثلا في قوله تعالى [ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا][6]، قال الزجاج: الرغَدُ الكثيرُ الذي لا يُعَنيك.[7]

     

    ثانيا: ان يأتي بالكلمة ومعناها واشتقاقها:

    ومنه ما ورد في قوله تعالى: ومعنى (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[8] .

    أي ما يفكر فكراً يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا أولو الألباب، أي ذَوُو العُقول؛ وواحد الألبَاب لُب، يقال قَد لَبِبْتَ يا رجُل وأنت تَلَب، لَبَابَة ولُبًّا، وقرأتُ على مُحمد بن يزيدَ عن يونس: لَبُبْت لَبَابَةً، وليس في المضاعف على فَعُلْتُ غيرُ هذا، ولم يروه أحد إلا يونسَ، وسألت غير البصريين عنه فلم يَعْرفْهُ.[9]

    ومنه أيضا ما جاء في قوله تعالى: [ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ][10] ومعنى (الْقَيُّومُ) : القائمُ بِتَدْبير جميع ما خَلَقَ من إحياءٍ وإنشاءٍ ورَزْقٍ ومَوْتٍ.

    وأصل قيوم قَيْوُوم، إلا أن الياء إذا سَبَقت الواو بسُكونٍ قُلبَتْ لها الواو، وأدغمت الياء فيها وكذلك القيَّام أصله الْقَيْوَام، ومعنى الكتاب ما كتب يقال للقرآن كتاب لأنه يُكتَبُ، ومعنى يكتب في الَلغة يجمع بعضه إلى بعض، والكُتْبَةُ في اللغة الخَرْزة وجمعها كتب والكتيبة القطعة من الجيش العظيمة، إِنما سميت لاجتماع بعضها إلى بعض.

     

    ثالثا: أن يأتي بالكلمة ويفسرها بنظيرها في القرآن:

    فمثلا عند قوله تعالى: [وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ][11]، قال الزجاج: معنى (علمتم) هنا عرفتم، ومثله قوله عز وجل (لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)[12] ومعناه لا تعرفونهم اللَّه يعرفهم.[13]

     

    رابعا: أن يأتي بمعنى الكلمة ويستشهد بالشعر:

    ومنه ما جاء في قوله تعالى: [ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً]،[14]، قال الزجاج: معنى مراغم معنى مهاجرُ، المعنى يجد في الأرض مُهاجراً، لأن المهاجر لقومه والمراغم بمنزلة واحدة، وإن اختلف اللفظان، وقال الشاعر:

    إِلى بلد غير داني المحل. . . بعيد المراغَمِ وَالمُضْطَرَب[15]

     

    اهتمامه بالإعراب[16]:

    اهتم الزجاج إلى إعراب الآية إن كان فيها ما يحتاج إلى إعراب، يجمع آراء النحاة في مكان واحد، ويناقشهم فيما قالوا، مثال ذلك قوله في تفسير قوله تعالى:[ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً[17]]، قال الزجاج: (تمسنا) نصب بلَنْ، وقد اختلف النحويون في علة النصب بـ لن.

    فرُوي عن الخليل قولان أحدهما أنها نصبت كما نصبت " أن " وليس " ما بعدها بصلة لهَا، لأن " لَنْ يَفْعَلَ "، نفي " سيفعل " فقدم ما بعدها عليها، نحو قولك زيداً لن أضرب، كما تقول زيداً لم أضرب، وقد روى سيبويه عن بعض أصحاب الخليل عن الخليل أنه قال: الأصل في " لن " لا أن ولكن الحذف وقع استخفافاً، وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، لو كان كذلك لم يجز زيداً لن أضرب، وعلى مذهب سيبويه جميع النحويين وقد حكى هشام عن الكسائي في " لن " مثل هذا القول الشاذ عن الخليل. ولم يأخذ به سيبويه، ولا أصحابه[18].

     

    اهتمامه بالقراءات

    للزجاج منهج سار عليه في القراءة، يعتقد أن ليس كل ما جاء في كلام العرب واردا في القرآن، وذلك لأن الكلمة لها عدة أوجه في العربية، والقرآن الكريم جاء بالأوجه العلى للكلمة، ومع ذلك فإن القراءة مشروطة بالرواية والتلقي، والزجاج يؤكد على أن لا يؤخذ بالوجه الذي لم ترد به رواية، وإن لم يخالف رسم المصحف، لأن القرآن سنة متبعة، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

    قال الزجاج في قوله تعالى (وَجَاعِلُ الذِينَ اتَبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا). القِرَاءة: بطرح التنوين، والتنوين جائز، ولكن لا تقرأ به إلا أن تكون ثبتت بذلك رواية.[19]

    قال الزجاج في قوله تعالى: [ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ][20] فَأما (الْقَيَّومُ) فقد روي عن عُمَرَ وابنِ مَسْعود جميعاً أنهُمَا قرءَا (القيَّام)،وقد رويت (الْقَيِّمُ) ، والذي ينبغي أنْ يُقرأ ما عليه المصحف، وهو القيوم بالواو، والقيِّمُ أيضاً جيد بالغ كثيرَ في العربية، ولكن القراءَةَ بخلاف ما في المصحف، لا تجوز، لأن المصحفَ مجمع عليه، ولا يعارض الإجماع برواية لا يعلم كيف صحتُها[21].

     

    دراسات حول معاني القرآن للزجاج

    1- أثر معاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للزجاج على الزمخشري، سعدون أحمد علي، رسالة ماجستير.

    2- القراءات واللغويات في معانى القران للزجاج، رقية محمد صالح إبراهيم الخزامي، رسالة ماجستير.

    3- منهج الزجاج في اختياراته في التفسير من خلال كتابه معاني القرآن وإعرابه، عادل بن محمد عمر عبد الله العمري (رسالة ماجستير)

    4- مآخذ الزجاج النحوية على الفراء في كتابة معاني القران واعرابه، رقية محمد صالح ابراهيم الخزامي،(رسالة ماجستير).

    5- الزجاج حياته وآثاره ومذهبه في النحو ، للدكتور محمد صالح التكريتي ، رسالة ماجستير ، بغداد ١٩٦٧ م .

    6- الزجاج النحوي في تخيلط المؤرخين ، بحث للدكتور محمد صالح التكريتي، منشورة في

    مجلة آداب المستنصرية ع ١٩٨٤ ٩ م.

    7- بين الفراء و الزجاج في معاني القرآن موازنة في أصول القراءة ، بحث للدكتور محمد

    صالح التكريتي ، منشور في مجلة الأستاذ ع ١٩٩٠ ٥ م.

    8- الظواهر اللغوية في معاني القرآن وإعرابه لأبي إسحاق الزجاج ، وفاء فياض عباس ،

    رسالة ماجستير ، بغداد ١٩٩٥ م.

    9- الدراسات النحوية في معاني القرآن وإعرابه للزجاج ، محمود عبد اللطيف فواز ، رسالةماجستير ، كلية التربية ، الأنبار ٢٠٠٠.

    10-تعقبات الزجاج للفراء في معاني القرآن، عادل على منصور علي الصراف، رسالة ماجستير.

    11- الزجاج وجهوده البلاغية في ضوء كتابه معاني القرآن، وإعرابه، إياد سعيد رجب بظاظو، رسالة ماجستير.

    12- مآخذ الزجاج النحوية على الفراء في كتابه معاني القرآن، علي بن حسين بن يحيى الأمير، رسالة ماجستير.

     الإسلام – القرآن والتفسير

       IslamQT.Com  

    =================

     

     



    [1] - سير أعلام النبلاء، 14/360.

    [2] - انظر: مقدمة تحقيق لكتاب معاني القرآن، 1/5-35، عالم الكتب

    [3] - معاني القرآن 1/185.

    [4] - معاني القرآن للزجاج، 3/363.

    [5] - انظر: كتاب القراءات واللغويات في معاني القرآن للزجاج،  لرقية  محمد صالح ابراهيم الخزامي، ص 354-385.

    [6] - البقرة: 35

    [7] - معاني القرآن للزجاج،1/114.

    [8] - البقرة: 269.

    [9] - معاني القرآن للزجاج،1/352.

    [10] - آل عمران:2.

    [11] - البقرة:65.

    [12] - الانفال:62.

    [13] - معاني القرآن للزجاج، 1/148.

    [14] - النساء : 100.

    [15] - معاني القرآن للزجاج، 2/96.

    [16] - انظر: معاني القرآن بين الفراء والزجاج،  ص 37-38.

    [17]- البقرة:80.

    [18] - معاني القرآن للزجاج، 1/160-161.

    [19] - معاني القرآن وإعرابه للزجاج، 1/420،  عالم الكتب

    [20] - آل عمران:2.

    [21] معاني القرآن للزجاج،1/374.


    بازگشت به ابتدا

    بازگشت به نتايج قبل

     

    چاپ مقاله

     
    » بازدید امروز: 545
    » بازدید دیروز: 1082
    » افراد آنلاین: 1
    » بازدید کل: 9784