طبقات المفسرين إجمالاً
نستطيع أن نقسم طبقات المفسرين على النحو التالي : 1ـ المفسرون من الصحابة : ـ واشتهر منهم الخلفاء الأربعة . وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسي الأشعري ، وعبد الله بن الزبير ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة . وجابر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنهم أجمعين ، وأكثر من روي عنه من الخلفاء الأربعة علي بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا ، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم. كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه ، فقد روي معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال : " شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم ـ وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل " . وأما ابن مسعود فروي عنه أكثر مما روي عن علي ، وقد أخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال : " والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لآتيته " وأما ابن عباس فسنترجم له بعد إن شاء الله . 2ـ المفسرون من التابعين : ـ قال ابن تيمية : " أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة مولي ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وطاوس وغيرهم ـ وفي الكوفة أصحاب ابن مسعود ـ وفي المدينة زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ، ومالك بن أنس " ومن أصحاب ابن مسعود علقمة ، والأسود بن يزيد ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي . ومن هذه الطبقة : الحسن البصري ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبو العالية رفيع بن مهران الرباحي ، والضحاك بن مزاحم ، وعطية بن سعد العوفي . وقتادة بن دعامة السدوسي ، والربيع بن أنس ، والسدي ، فهلاء قدماء المفسرين من التابعين ، وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابة . 3ـ ثم بعد هذه الطبقة : طبقة الذين صنف كثير منهم كتب التفاسير التي تجمع أقوال الصحابة والتابعين ، كسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح وشعبى بن الحجاج ، ويزيد بن هارون ، وعبد الرزاق، وآدم بن أبي إياس ، واسحاق بن راهويه ، وعبد بن حميد ، وروح بن عبادة ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وآخرين 4ـ ثم بعد هؤلاء طبقات أخري : منها على بن أبي طلحة ، وابن جرير الطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن ماجه ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو الشيخ بن حبان ، وابن المنذر في آخرين ، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم ، وليس فيها غير ذلك إلا ابن جرير فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط ، فهو يفوقها بذلك . 5ـ ثم انتصبت طبقة بعدهم : صـفت مشحونة بالفوائد اللغوية ، ووجوه الإعراب ، وما أثر في القراءات بروايات محذوفة الأسانيد ، وقد يضيف بعضهم شيئا من رأيه ، مثل أبي إسحاق الزجاج ، وأبي على الفارسي ، وأبي بكر النقاش ، وأبي جعفر النحاس. 6ـ ثم ألف في التفسير طائفة من المتأخرين : فاختصروا الأسانيد ، ونقلوا الأقوال بتراء : فدخل من هنا الدخيل ، والتبس الصحيح بالعليل. 7ـ ثم صار كل من سنح له قول يورده : ومن خطر بباله شئ يعتمده . ثم ينقل ذلك عنه من يجئ بعده ظانا أن له أصلا ، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ، ومن هم القدوة في هذا الباب ـ قال السيوطي : رأيت في تفسير قوله تعالي ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) نحو عشرة أقوال ، مع أن الوارد عن النبي صلي الله عليه وسلم وجميع الصحابة والتابعين ليس غير اليهود والنصاري ، حتى قال ابن أبي حاتم : لا أعلم في ذلك اختلافا من المفسرين. 8ـ صنف بعد ذلك قوم : يرعوا في شئ من العلوم . منهم من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من الفن ، واقتصر فيه على ما تمهر هو فيه ، كأن القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير ، مع أن فيه تبيان كل شئ. فالنحوي نراه ليس له هم إلا الإعراب وتكثير أوجهه المحتملة فيه ، وإن كانت بعيدة ، وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته كأبي حيان في البحر والنهر. والإخباري همه القصص واستيفاؤه ، والإخبار عمن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة ، ومنهم الثعلبي. والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه جميعا ، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية أصلا ، والجواب على أدلة المخالفين ، كالقرطبي . وصاحب العلوم العقلية ، خصوصا الإمام فخر الدين الرازي ، قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، وخرج من شئ إلى شئ ، حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية . قال أبو حيان في البحر : جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ولذلك قال بعض العلماء : فيه كل شئ إلا التفسير (1) ======= 1- مناع القطان - مباحث في علوم القرآن.
|