تاریخ چاپ :

2024 Nov 23

IslamQT.Com 

لینک مشاهده :  

عـنوان    :       

التربية القرآنية من خلال سورتي الإخلاص

التربية القرآنية من خلال سورتي الإخلاص

تطلق سورتي الإخلاص على: سورة الكافرون، وسورة الإخلاص، وجاءت الأحاديث بفضائلهما، وحسبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح يومه بهما في صلاة سنة الفجر، ويختم ليله بهما في صلاة الوتر، وسورة الكافرون تنفي أي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك، وسورة الإخلاص فيها إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية، وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه.

عبر هذه الأسطر سنلقي بعض الضوء على معالم التربية القرآنية التي كان القرآن يغرسها في نفوس المسلمين، عبر وقفات، أسأل الله تعالى أن يوفقني إلى الصواب فيها، وأن يلهمني السداد والرشاد.

الوقفة الأولى:

لنتعرف على الله، من هو الله؟ وما هو التصور الصحيح عن ربنا تبارك وتعالى؟ كما ذكر في كتابه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)

الصمد هو: كما قال ابن عباس: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلا له.

إنه الحي القيوم، الرحمن الرحيم الذي خلق كل شيء وسخر لنا كثيراً مما خلق:

قال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 101].

قال تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2].

قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [النحل: 10- 12].

قال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل: 79].

ذلك غيض من فيض مما عرفنا الله به عن نفسه، وهي آيات، كما ترى تربط القلب البشري بربه، وتغرس فيه حبه.


فقوم يزعمون أن لله ولداً، سبحانه، والولادة انبثاق وامتداد ووجود زائد بعد عدم أو نقص، وهذا محال على المولى الجبار، فهو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) بل من يقول بهذا فقد كفر كفراً يخلده في الجحيم، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة: 30] وفي الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولداً، وإنه ليعافيهم ويرزقهم".

ولا شك أن معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتصحيح التصور عنه سبحانه سيكون له أعظم الأثر في إصلاح النفس وإصلاح الحياة.

الوقفة الثانية:

توحيدٌ ودعوةٌ إلى التوحيد قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي: واحد متفرد لا نظير له ولا وزير ولا ند ولا شبيه ولا عديل، ولفظة (أَحَدٌ) في الإثبات لا تطلق إلا على الله تعالى، بخلاف النفي، فقد تقول لم يخرج من المسجد أحد، وذلك لأن الله تعالى هو وحده الكامل في صفاته وأفعاله، هذه الآية تشابه الآيتين الأوليين من المعوذتين من وجه وتختلف عنهما من وجه آخر، أما التشابه فمن حيث أمر الله تعالى رسوله بالتلفظ بما فيها.

بينما: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فيها أيضاً توحيد من الله لنفسه، كما أن فيها أمرٌ بالبلاغ والدعوة إلى التوحيد، أي: يا محمد ، ويا أصحاب محمد، ويا كل المسلمين، وحدوا الله وادعوا الناس كافة إلى توحيد الله، وهل دعوات الأنبياء جميعا إلا على هذا الأس العظيم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).

الوقفة الثالثة:

هل الكافرون سيرضوننا بالدخول في الإسلام؟

قال تعالى: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) هذه الآية تنفي أن يعبد الكافرون الله تعالى، وفي الآية تكرار ولتكرارها معان منها: أن امتناعهم من عبادة الله ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله - ولا يزال كثير منهم كذلك - ولكنهم كانوا جاهلين به، فمهما ظنوا أنهم يتقربون إلى الله ببعض العبادات فهي في الحقيقة ليست عبادة لله لأن حقيقة العبادة تنافي الشرك بالله، وهذا معنى لا إله إلا الله النافي لكل معبود إلا المعبود بحق وهو الله تعالى.

ومن معانيها: أنه مهما قدمت إليكم من تنازلات، فإنكم يا كافرين لا تتنازلون عن شرككم بالله تعالى، ولو أرضيتكم بالشرك بالله (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120] فمع إمكان حصول رضاهم عنا بالشرك بالله إلا أنه لا يمكن أن يرضوننا بعبادة الله وتوحيده.

ثم تأمل وصف الله لهم بصيغة نفي اسم الفاعل: (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) ليدل على ثبوت هذا الوصف وعدم انفكاكه عنهم، ولو لمرة واحدة.


الوقفة الرابعة:

لا نرضي الكافرين بتلبية رغباتهم ولو لمرة على حساب ديننا: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) فيه نفي أن يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم آلهتهم الكاذبة، ولكن ما سر التكرار؟ توكيد مفهوم التوحيد والبراءة من الشرك من ذلك، إلا أن بين الآيتين اختلاف في الصيغة.

ففي الآية الأولى أتى بصيغة نفي الفعل، وفي الثانية أتى بصيغة نفي اسم الفاعل، والفرق بين الفعل واسم الفاعل أن الفعل يدل على الحدوث والتجدد والوقوع ولو لمرة واحدة، والاسم يدل على الوصف اللازم ويدل على الثبوت، فكأنه قال: إرضاؤكم بعبادة آلهتكم لا يقع مني ولو لمرة، وأن هذا ليس وصفي ولا شأني.

ونحن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والمخاطبون بهذه الآيات من بعده لا ينبغي لنا أن نرضي الكافرين بما يقدح عقيدتنا ولو كان يسيراً ولو لمرة، وقد جاءت التوجيهات القرآنية صريحة ومضمنة بالنهي عن طاعة الكافرين إطلاقاً يقول المولى جل ذكره: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 49، 50].

وقال جل ذكره في آيات فيها من التحذير والكشف عن حقيقة الكافرين وما تنطوي عليه نواياهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ، هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 118- 120].

الوقفة الخامسة:

التميز لا التميع، لأن الدين هو الملة والعقيدة التي تقع سلوكيات الحياة والتقاليد والعادات على مقتضاها، وفي هذا الإطار يقول الله عز وجل: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، أي لكم ملتكم وعقيدتكم وتصوركم بل وسلوكيات حياتكم وعاداتكم وأنماط عيشكم، ونحن لنا ملتنا وعقيدتنا وتصورنا وسلوكيات حياتنا وعاداتنا وأنماط عيشنا.

لا نوافقكم على ما أنتم عليه من الدين فإنه باطل مختص بكم، لا نشرككم ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، وهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم.

أما الاعتقاد: فنحن نؤمن بأنه لا إله إلا الله، وهم يشركون بالله ما لم ينزل به سلطاناً من حجر أو شجر أو بشر.

ونحن نؤمن بالأنبياء جميعاً: (َمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) [البقرة: 285] وهم يكفرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونه ويسخرون منه.

أما التصور: فنحن نرى أن هذا الكون مما يتصل بالإنسان إنما هو مسخر لنا كما ورد في آيات كثيرة من أمثال قوله تعالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ) وقوله: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) والله الذي وهبه لنا، وأمرنا أن نسعى فيه وأن نعمره بمنهجه لا بأهوائنا.

والكافرون يرون الكون طبيعة يغالبون بها الله تعالى وأنهم استطاعوا بفضل عقولهم أن يصلوا إلى درجة الربوبية في صناعة الأشياء وتسخيرها فيما يريدون، فأهلكوا الحرث والنسل.

ونحن نرى الحياة الدنيا جزءاً من الحياة تتبعها حياة البرزخ ثم الحياة الأخرى، ونرى الحياة الدنيا مزرعة للآخرة وسبيلاً إليها: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) [العنكبوت: 64].

والكافرون يرون الحياة الدنيا هي كل الحياة، فلا برزخ ولا معاد، ولا حساب ولا جزاء: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن: 7] فعثوا فيها فساداً يسابقون الموت بشهواتهم.

أما المنهج: فمنهجنا الوحي المعصوم من كتاب وسنة لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما، ومنهج الكافرين حثالة أذهان المضلين من البشر الذين سولت لهم أنفسهم وشياطينهم أن يشرعوا لأمثالهم القوانين والنظم.

أما السلوك: فإن النظام الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي الذي جاء به الوحي ينظم حياتنا وحرياتنا وعلاقاتنا وعاداتنا داخل إطار من الأدب والحشمة، والجماعية ومحبة الغير، والمسؤولية، والخشية من الله تعالى.

والكافرون يعيشون بلا إطار لا أخلاقي ولا اجتماعي ولا اقتصادي، ليس إلا الأنانية والتفلت والتمرد على ما هو أصيل وطاهر، ليس إلا الحريات المفتوحة في كل الاتجاهات التي أهلكت الحرث والنسل، ليس إلا حياة الأنعام (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44] إن الفوضى المالية والجنسية ليست إلا إفرازاً نجساً من الكيان الكافر الملحد.

كيف نلتقي بهم في وسط الطريق وبيننا وبينهم – كما رأيت - بعد المشرقين؟!

وعندما يريد فئام من الأمة الالتقاء بهم في وسط الطريق – كما يقال – فإنهم في الحقيقة يرتمون في أحضانهم و يقعون في شراكهم، ثم لا يعودون ولاهم يخرجون إلا بالخيبة والخسران والتفسخ والانحلال وفقد الهوية والانهزام، أم إنها النبوءة الصادقة من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما في حديث ثوبان: "ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان".

وقد جاء في وثيقة الحلف بين المهاجرين والأنصار البند الأساس الذي نص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على: "أن المسلمين أمة من دون الناس"، فقد تتشابه الأمم والدول ويتبع بعضها بعضا في نظمها وتشريعاتها وأخلاقها، اليهود والنصارى والمجوس وغيرها، إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهي أمة من دون الناس، لا يليق بها – بل يحرم عليها – موافقة الكافرين في ما هو من خصائصهم في العادات والتقاليد، فضلاً عن موافقتهم في الشعائر والنظم.

وهذا التمييز كان أمراً مقصوداً يستهدف زيادة تماسك الأمة واعتزازها بذاتها، يتضح ذلك في تمييزها بالقبلة واتجاهها إلى الكعبة، وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم يميز المسلمين عمن سواهم في أمور كثيرة ويوضح لهم أنه يقصد بذلك مخالفة اليهود - كفار المدينة - من ذلك: أن اليهود لا يصلون بالخف فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يصلوا بالخف، واليهود لا تصبغ الشيب فصبغ المسلمون شيب رأسهم بالحناء والكتم، واليهود تصوم عاشوراء والنبي صلى الله عليه وسلم يصومه أيضاً ثم اعتزم أواخر حياته أن يصوم التاسع معه مخالفة لهم.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وضع للمسلمين مبدأ مخالفة غيرهم والتميز عليهم فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" وقال: "لا تشبهوا باليهود" والأحاديث في ذلك كثيرة وهي تفيد معنى تميز المسلمين واستعلائهم على غيرهم.


الوقفة السادسة:

إعلان البراءة والمفاصلة هو مقتضى كل آيات سورة الكافرون إعلانُ هذه المفاصلة والبراءة بكل وضوح للكافرين، وأن لهم دينهم وطريقتهم في الحياة، ولنا ديننا وطريقتنا في الحياة. ولهذا لما نزلت السورة امتثل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وغدا إلى المسجد الحرام وقرأها على الملأ من قريش.

والمفاصلة الوجدانية هي الشعور بكراهية الكفر وما عليه الكافرون من عادات ونظم وأنماط حياة، وأنه باطل، والتحرز منه من مقتضيات التوحيد، وهنا يستشعر المسلم حلاوة الإيمان، كما في الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار".

وهذا هو حجر الأساس، شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء، لهم دينهم وله دينه، لهم طريقتهم وله طريقته، لا يملك أن يسايرهم خطوة واحدة في طريقهم، ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو، بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير.

الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على هذا الحال، ما إن يسلم الرجل منهم أو المرأة، وما إن يتلفظ أحدهم بالشهادة حتى يسلخ كل أثواب الجاهلية وكل أنماط الجاهلية وكل ما يتعلق بالجاهلية على أعتاب الباب الذي يدلف منه إلى الإسلام، فلا يبقى في نفسه وضميره ووجدانه إلا الإسلام، هكذا رباهم القرآن، وهكذا كانوا.

الوقفة السابعة:

الثبات على المبدأ لم يكن من هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم – وليس هذا بمقتضى الإسلام – تمييع الدين إرضاءً للكافرين، ولا التنازل عن بعض مبادئه خوفاً منهم كلا ورب الكعبة، وقد كانوا مستضعفين في مكة: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]، بل كان يعلم صلى الله عليه وسلم من أول الأمر أن العرب قاطبة قد تجتمع على حربه،
إنه الثبات على المبدأ أمام فتنة الكافرين، من ترغيب وترهيب، مهما غزونا عسكرياً أو اقتصادياً أو ثقافياً.

الوقفة الثامنة:

كيف نخاطب الكافرين (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) هذه طريقة الخطاب القرآني الفريدة التي لا مثيل لها في القرآن، والتي تصفهم بالكفر الصريح الخالص. تحقيراً لهم وتأييداً لوجه التبرؤ منهم، وإيذانا بأنه لا يخشاهم صلى الله عليه وسلم إذا ناداهم بما يكرهون مما يثير غضبهم.

قال أبو بكر بن الأنباري: إن المعنى: قل للذين كفروا يا أيها الكافرون أي: يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم: يا أيها الكافرون، وهم يغضبون أن ينسبوا إلى الكفر، لأنهم يعتقدون أنهم هم المؤمنون، وكما يعتقد كفار قريش أنهم أتباع إبراهيم عليه السلام فكذلك النصارى اليوم ومن قبل يعتقدون أنهم أتباع عيسى عليه السلام وأنهم حملة الخير والنور إلى الأمم بينما في الحقيقة هم الكافرون، وهذا هو اسمهم، إنهم ليسوا بأتباع الديانات السماوية بل هم الكافرون حقاً، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء: 150، 151] هكذا سماهم الله تعالى وأمر نبيه أن يخاطبهم بهذا الاسم، قال ابن كثير رحمه الله عن هذا الخطاب: يشمل كل كافر على وجه الأرض.

الوقفة التاسعة:

الحرية الحقيقية حين يحصل اليقين في القلب من فهم واعتقاد ما في سورة الإخلاص؛ فإن القلب يتحرر من كل القيود، قيود الشهوات والشبهات، وقيود الرغبة والرهبة، فلا يرغب القلب إلا فيما عند الله الأحد الصمد، ولا يرهب إلا الله الأحد الصمد، ولا يرجوا ولا يخاف إلا الله الأحد الصمد.

وكيف يرجو وكيف يخاف من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يستطيعون نصر أنفسهم، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا رزقاً.

وهذه التربية القرآنية هي ذاتها التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه عليها، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "يا غلام, إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: "احفظ الله تجده أمامك, تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة, واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لك يكن ليخطئك, واعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب, وأن مع العسر يسراً ".

إنها الحرية الحقيقية والتي قد لا يشعر بها بعضنا حيث تملكت الدنيا على القلوب، نسأل الله أن يفك عقالها.

الوقفة العاشرة:

لنتربى على منهج القرآن ينبغي علينا أن نربي أبناءنا ونساءنا ومجتمعنا على هذا المنهج القرآني وعلى هذه التربية القرآنية، كما كان الله عز وجل يربي رسوله وأصحابه عليها، وهذه المعاني مما رباهم القرآن عليه كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [البقرة: 208] قال المفسرون: أي في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا.

ولنتأمل قوله تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسراء: 73- 75] وذلك من كثرة محاولاتهم في أن يأتي بما يوافق أهواءهم مما لم يأت به الله، وحرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم.

الإسلامالقرآن والتفسير

IslamQT.Com

==============