القول المختصر في منهج ابن جزي الكلبي (693-741هـ=1294-1340م) * اسم المفسر: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الكلبي, يكنى أبا القاسم, فقيه مالكي, عالم بالأصول والتفسير واللغة, من أهل غرناطة(1). *اسم الكتاب: كتاب التسهيل لعلوم التنزيل. * الوصف العام للكتاب: هو كتاب تفسير مختصر من غير إخلال, لخصه مؤلفه من كتب التفسير المختلفة, وأضاف إليها فوائد عديدة من كتب شتى, وقد بين المصنف الباعث له على تأليف الكتاب وخطة عمله فيه فقال: " فإن علم القرآن العظيم هو أرفع العلوم قدراً, وأجلها خطراً, وأعظمها أجراً, وأشرفها ذكراً, وإن الله أنعم علي بأن شغلني بخدمة القرآن, وتعلمه وتعليمه, وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه, فاطلعت على ما صنف العلماء رضي الله عنهم في تفسير القرآن من التصانيف المختلفة الأوصاف, المتباينة الأصناف, فمنهم من آثر الاختصار, ومنهم من طول حتى كثر الأسفار, ومنهم من تكلم في بعض فنون العلم دون بعض, ومنهم من اعتمد على نقل أقوال الناس, ومنهم من عوَّل على النظر والتحقيق والتدقيق, وكل أحد سلك طريقاً نحاه, وذهب مذهباً ارتضاه, وكلا وعد الله الحسنى, فرغبت في سلوك طريقهم, والانخراط في مساق فريقهم ". ثم شرع يبين نهجه في عمله فقال: " وصنفت هذا الكتاب في تفسير القرآن العظيم, وسائر ما يتعلق به من العلوم, وسلكت مسلكاً نافعاً, إذ جعلته وجيزاً جامعاً, قصدت به أربع مقاصد, تتضمن أربع فوائد: - الفائدة الأولى: جمع كثير من العلم في كتاب صغير الحجم تسهيلاً على الطالبين, وتقريباً على الراغبين, فلقد احتوى هذا الكتاب على ما تضمنته الدواوين الطويلة من العلم, ولكن بعد تلخيصها وتمحيصها, وتنقيح فصولها وحذف حشوها وفضولها, ولقد أودعته من كل فن من فنون علم القرآن. - الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة, وفوائد غريبة قلما توجد في كتاب, لأنها من نبات صدري, وينابيع ذكري, ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم, أو مما التقطته من مستظرفات النوادر الواقعة في غرائب الدفاتر. - الفائدة الثالثة: إيضاح المشكلات, إما بحل العقد المقفلات, وإما بحسن العبارة ورفع الاحتمالات, وبيان المجملات. - الفائدة الرابعة: تحقيق أقوال المفسرين, السقيم منها والصحيح, وتمييز الراجح من المرجوح, وذلك أن أقوال الناس على مراتب: فمنها الصحيح الذي يعول عليه, ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه, ومنها ما يحتمل الصحة والفساد, ثم إن هذا الاحتمال قد يكون متساوياً أو متفاوتاً, والتفاوت قد يكون قليلاً أو كثيراً, وإني جعلت لهذه الأقسام عبارات مختلفة, تعرف بها كل مرتبة وكل قول, فأدناها ما أصرح بأنه خطأ أو باطل, ثم ما أقول فيه: إنه ضعيف أو بعيد, ثم ما أقول: إن غيره أرجح أو أقوى أو أظهر أو أشهر, ثم ما أُقدِّم غيره عليه إشعاراً بترجيح المتقدم, أو بالقول فيه: قيل كذا, قصداً للخروج من عهدته, وأما إذا صرحت باسم قائل القول فإني أفعل ذلك لأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته, وإما لنصرته إذا كان قائله ممن يقتدى به, على أني لست أنسب الأقوال إلى أصحابها إلا قليلاً, وذلك لقلة صحة إسنادها إليهم, أو لاختلاف الناقلين في نسبتها إليهم, وأما إذا ذكرت شيئاً دون حكاية قوله عن أحد فذلك إشارة إلى أني أتقلده وأرتضيه, سواء كان من تلقاء نفسي, أو مما أختاره من كلام غيري, وإذا كان القول في غاية السقوط والبطلان لم أذكره تنزيهاً للكتاب, وربما ذكرته تحذيراً منه, وهذا الذي ذكرته من الترجيح والتصحيح مبني على القواعد العلمية أو ما تقتضيه اللغة العربية, وسنذكر بعد هذا باباً في موجبات الترجيح بين الأقوال إن شاء الله, وسميته "كتاب التسهيل لعلوم التنزيل", وقدمت في أوله مقدمتين: إحداهما في أبواب نافعة, وقواعد كلية جامعة, والأخرى فيما كثر دوره من اللغات الواقعة, وأنا أرغب إلى الله العظيم الكريم أن يجعل تصنيف هذا الكتاب عملاً مبروراً, وسعياً مشكوراً, ووسيلةً توصلني إلى جنات النعيم وتنقذني من عذاب الجحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " أ.هـ مختصراً. وفي المقدمتين اللتين ذكرهما في بداية كتابه فوائد نافعة مختصرة في علوم القرآن فلتراجع. *عقيدته: مؤول لأغلب الصفات, ومفوض لبعضها. أول صفة الرحمة بالإحسان, فقال: " (( الرحمن الرحيم )) صفتان من الرحمة, ومعناهما: الإحسان؛ فهي صفة فعل, وقيل: إرادة الإحسان؛ فهي صفة ذات ". والصواب أن الإحسان من لوازم الرحمة وليس هو الرحمة. وأثبت صفة الحياء (1/42) وردَّ على من أوله بالترك. وأثبت صفة " الرضى " في البينة (4/213) وذكر الحديث في مخاطبة الله تعالى لأهل الجنة: (( .. عندي أفضل من ذلك وهو رضواني فلا أسخط عليكم أبداً )). وذكر في " الاستهزاء " (1/38) ثلاثة أقوال كلها تفسير للصفة بلازمها. وكذا فسر صفة " المكر " (1/108) بلازمها. وأول " الإتيان " في قوله: (( يأتيهم الله )), فقال (1/77): " تأويله عند المتأولين: يأتيهم عذاب الله في الآخرة أو أمره في الدنيا, وهي عند السلف الصالح من المتشابه!! يجب الإيمان بها من غير تكييف, ويحتمل أن لا تكون من المتشابه, لأن قوله (( ينظرون )) بمعنى: يطلبون بجهلهم, كقوله: (( لولا يكلمنا الله )). وكذا قال في قوله: (( وجاء ربك )): " جاء أمره وسلطانه, وقال المنذر بن سعيد: معناه ظهوره للخلق هنالك, وهذه الآية وأمثالها من المشكلات التي يجب الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل ". وأول صفة " اليد " فقال في قوله: (( بل يداه مبسوطتان )): " عبارة عن إنعامه وجُوده !! ", وقال في قوله تعالى: (( والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه )) (3/199): " المقصود بهذا تعظيم جلال الله! والرد على الكفار الذين ما قدروا الله حق قدره!! ثم اختلف الناس فيها كاختلافهم في غيرها من المشكلات, فقالت المتأولة: إن القبضة واليمين عبارة عن القدرة! وقال ابن الطيب: إنها صفة زائدة على صفات الذات, وأما السلف الصالح فسلموا علم ذلك إلى الله!! ورأوا أنَّ هذا من المتشابه الذي لا يعلم حقيقته إلا الله .. ". وقد سبق الرد على مثل هذا الكلام. وأما صفة " الاستواء " فقد ذكر مذهب السلف وهو إمراره على ظاهره, ثم مذهب الأشاعرة ( استوى: أي استولى ) وردَّه, وردَّ من أوله بمعنى: قصد, ثم قال: " والحقُّ الإيمان به من غير تكييف, فإنَّ السلام في التسليم ", ثم قال: " ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء بل أمسكوا عنه! ولذلك قال مالك: السؤال عنه بدعة " أ.هـ. والصواب أنهم كانوا يعلمون معنى الاستواء, وينفون العلم بالكيف, وهو الذي قصده مالك بقوله: " والسؤال عنه بدعة ". وأثبت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة لا في الدنيا, فقال (2/44): " فهذا المنع – يعني قوله تعالى: (( لن تراني )) – من رؤية الله إنما هو في الدنيا؛ لضعف البنية البشرية عن ذلك, وأما في الآخرة فقد صرح بوقوع الرؤية كتاب الله وسنة رسوله فلا ينكرها إلا مبتدع ". وأثبت صفة الكلام وصرح ببطلان قول المعتزلة (1/164). وقال عن الكرسي (1/89): " مخلوق عظيم بين يدي العرش, وهو أعظم من السماوات والأرض, وهو بالنسبة إلى العرش كأصغر شيء ", ثم ضعف من فسره بغير ذلك؛ فقال: " وقيل: كرسيه علمه, وقيل: كرسيه ملكه ". والمصنف فيه نزعة صوفية, ولذا تجد في كتابه الكثير من المواعظ وآداب السلوك والأخلاق, وعليه في بعضها مؤاخذات, كقوله في ذكر الله تعالى (1/64): " وللناس في المقصد بالذكر مقامان: فمقصد العامة اكتساب الأجور!! ومقصد الخاصة القرب والحضور, وما بين المقامين بونٌ بعيد .. ". ثم قال: " ثم إن ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد, وهو قولنا: الله الله!! فهذا هو الغاية وإليه المنتهى!! ". ومعلوم أن ذكر الله تعالى باسمه مفرداً بدعة, لم يؤثر أن النبي أو أحد من صحبه تكلم به. وله كلام في أن توحيد الخاصة يكون بالمكاشفة والفناء! انظر (1/66). * موقفه من الأسانيد: ذكر فيه الأحاديث مختصرة وبدون أسانيد ولا عزو لمخرجيها, ولم يتوسع في إيراد الأحاديث وأسباب النزول, بل يشير إليها أحياناً ولا يسوقها. * موقفه من الأحكام الفقهية: يهتم بذكر مذهب مالك فهو من فقهاء المالكية, ويقارن بينه وبين مذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما, وينقل الإجماع إن وجد, ويسلك في ذلك مسلكاً وسطاً, ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل. * موقفه من القراءات: يهتم بذكر القراءات, ويبين معانيها وألفاظها وما تدل عليه. * موقفه من الإسرائيليات: يذكر بعض الإسرائيليات عن وهب بن منبه والسدي, وأحياناً يذكر معانيها ويصرح بضعفها, ويصدرها أحياناً بقوله: رُوي, وقد نقل عند قوله تعالى: (( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل )) ما جاء في التوراة والإنجيل في صفة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم).
IslamQT.Com
الإسلام – القرآن والتفسير
===============
|